هل تؤثر الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على استراتيجية “أبل” في تنويع سلسلة التوريد؟

في خطوة من شأنها أن تعيد تشكيل خريطة التصنيع العالمي، أعلنت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب فرض رسوم جمركية مرتفعة على أكثر من 180 دولة، مما يهدد جهود كبرى الشركات العالمية، وعلى رأسها “أبل”، لتنويع سلسلة التوريد الخاصة بها بعيدًا عن الصين. وبينما بدأت “أبل” بالفعل بتوسيع عملياتها في دول مثل الهند وفيتنام، إلا أن الرسوم الجديدة قد تعيق هذه الاستراتيجية الطموحة.

الصين: الشريك الأبرز رغم التوترات

تُعدّ الصين قلب سلسلة التوريد الخاصة بـ”أبل”، ولا تزال حتى اليوم مركزًا رئيسيًا لتجميع معظم هواتف آيفون، بفضل الشراكة العميقة مع شركة فوكسكون. وتشير تقارير “إيفركور آي إس آي” إلى أن حوالي 90% من هواتف آيفون تُجمع داخل الأراضي الصينية، وهو ما يعادل تقريبًا 80% من إجمالي الطاقة الإنتاجية لـ”أبل” عالميًا.

ورغم محاولات “أبل” لتقليل الاعتماد على الصين بين عامي 2017 و2020، عادت مواقع التصنيع هناك للانتعاش، مدفوعة بقدرات الصين التقنية وسلسلة التوريد المتكاملة. وتُشير تقديرات شركة بيرنشتاين إلى أن الموردين الصينيين يمثلون حوالي 40% من إجمالي إنتاج “أبل”، كما يتم إنتاج 55% من أجهزة ماك و80% من أجهزة آيباد داخل الصين.

لكن فرض تعريفة جمركية جديدة بنسبة 34% على الواردات الصينية، والتي تُضاف إلى معدل 20% الحالي، يجعل إجمالي التعريفة الجمركية المفروضة على الصين يبلغ 54%، ما يُنذر بمخاطر اقتصادية كبيرة على تكلفة المنتجات.

الهند: بديل استراتيجي ينمو بثبات

في إطار التوجه نحو تقليل الاعتماد على الصين، كثّفت “أبل” من استثماراتها في الهند خلال العامين الماضيين، تماشيًا مع جهود الحكومة الهندية لتعزيز التصنيع المحلي للتكنولوجيا المتقدمة. وقد صرح وزير هندي عام 2023 أن “أبل” تستهدف تصنيع 25% من هواتف آيفون في الهند.

ويتوقع محللو بيرنشتاين أن تصل حصة الهند من الإنتاج العالمي إلى 15-20% بحلول نهاية 2025، في حين تُجمع نحو 10% إلى 15% من الهواتف حاليًا في الهند وفقًا لتقارير “إيفركور آي إس آي”. إلا أن التعريفة الجمركية الجديدة البالغة 26% قد تؤثر على تنافسية التصنيع الهندي في السوق الأمريكية.

فيتنام: لاعب صاعد في إنتاج الإلكترونيات

شهدت فيتنام نموًا ملحوظًا كمركز تصنيع للإلكترونيات الاستهلاكية، وخاصة في مجال الأجهزة القابلة للارتداء. ووفقًا لبيانات “إيفركور آي إس آي”، يتم تجميع 90% من منتجات أبل القابلة للارتداء، مثل Apple Watch، في فيتنام، بالإضافة إلى 20% من إنتاج أجهزة iPad.

لكن مع فرض تعريفة جمركية بنسبة 46% على المنتجات القادمة من فيتنام، قد تُضطر “أبل” إلى إعادة النظر في توسعها هناك أو السعي للتفاوض بشأن استثناءات تجارية.

دول أخرى في سلسلة توريد “أبل”

لا تقتصر عمليات “أبل” على الصين والهند وفيتنام فقط، بل تشمل أيضًا دولًا أخرى بدأت تلعب أدوارًا متزايدة، منها:

  • ماليزيا: مركز صناعي متنامٍ لإنتاج أجهزة ماك، وتواجه رسومًا جمركية بنسبة 25%.

  • تايلاند: مركز صغير لإنتاج أجهزة ماك، وتُفرض عليها تعريفة بنسبة 36%.

  • كوريا الجنوبية، اليابان، وتايوان: تُستخدم كمصادر رئيسية للمكونات الإلكترونية الدقيقة، والتي قد يتم شحنها عدة مرات بين الدول قبل أن يتم تجميعها نهائيًا.

توجه “أبل” نحو التصنيع المحلي الأمريكي

كجزء من التكيف مع السياسات الحمائية الأمريكية، أعلنت “أبل” في فبراير عن خطط لإنشاء مصنع جديد لخوادم الذكاء الاصطناعي في ولاية تكساس، ضمن استثمار ضخم بقيمة 500 مليار دولار في الولايات المتحدة. ورغم أن “أبل” تنتج كميات محدودة من أجهزة ماك برو داخل أمريكا، إلا أن الجزء الأكبر لا يزال يتم تصنيعه خارجيًا بسبب الكفاءة والتكلفة.

هل تنجح “أبل” في موازنة استراتيجيتها الإنتاجية؟

في ضوء التغيرات المفاجئة في السياسات التجارية العالمية، تواجه “أبل” تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على التكاليف التنافسية لمنتجاتها، وفي الوقت نفسه تأمين سلسلة توريد مرنة لا تتأثر بالعقوبات أو القيود التجارية. ومن المتوقع أن تضغط الرسوم الجمركية الأمريكية على الشركة لتُسرّع من خطط تنويع الإنتاج، ولكنها في المقابل قد تؤدي إلى رفع الأسعار النهائية للمستهلكين.ومع تصاعد التوترات التجارية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن لـ”أبل” أن تحافظ على ريادتها العالمية في سوق التكنولوجيا وسط هذه التحديات المتنامية؟