لطالما كانت محاولة فهم طريقة تواصل الحيوانات البحرية، وخاصة الدلافين، أحد أعقد التحديات أمام علماء الأحياء. إلا أن شركة غوغل قررت خوض هذا التحدي بطريقتها الخاصة، عبر تطوير نموذج ذكاء اصطناعي جديد يُدعى DolphinGemma، ليكون أداة قوية في يد العلماء والمختصين لفك شيفرات لغة الدلافين وتحليل أنماطها الصوتية.
ما هو نموذج DolphinGemma؟
يحمل النموذج اسم “DolphinGemma”، وهو أحد النماذج اللغوية الكبيرة (LLM) التي بُنيت بالاعتماد على “Gemma”، وهي سلسلة من النماذج مفتوحة المصدر طورتها “غوغل”، وترتكز على نفس الأسس التقنية لنماذج “Gemini” التجارية.
ما يُميز “DolphinGemma” هو تركيزه الفريد على معالجة وفهم البيانات الصوتية للدلافين – أصوات مثل النقرات، الصفارات، والنبضات – والتي كانت لعقود تُعتبر لغزًا محيرًا في علم الأحياء البحرية.
التعاون العلمي وراء النموذج
تعمل غوغل في هذا المشروع بالشراكة مع معهد جورجيا للتكنولوجيا ومبادرة “مشروع الدلافين البرية” (Wild Dolphin Project)، وهو برنامج ميداني متخصص في مراقبة سلوك وتواصل الدلافين. وقد تم الإعلان عن هذا التعاون رسميًا عبر مدونة غوغل في بداية الأسبوع.
كيف يعمل DolphinGemma؟
تم تدريب النموذج على تعلم البُنية الصوتية الخاصة بالدلافين، والقدرة على توليد تسلسلات صوتية اصطناعية تشبه تمامًا الأصوات التي تصدرها هذه الكائنات البحرية.
ويعتمد النموذج على تقنية متقدمة من غوغل تُعرف باسم SoundStream، والتي تُستخدم لتشفير وتحويل الأصوات إلى بيانات قابلة للمعالجة داخل النموذج، مما يسمح بفهم وتحليل تلك الأصوات بدقة فائقة أثناء تسجيلها.
نحو بناء مفردات مشتركة بين البشر والدلافين
أحد الأهداف الطموحة لهذا المشروع هو استنباط أنماط صوتية مُعقدة قد تُستخدم في المستقبل لتكوين نوع من المفردات المشتركة، والتي تسمح بتواصل تفاعلي فعلي بين الإنسان والدلفين.
توضح غوغل أن هذه الأنماط لو عُرضت على باحث بشري لفحصها يدويًا، لاحتاج إلى شهور أو حتى سنوات من العمل، لكن “DolphinGemma” يستطيع القيام بذلك في وقت وجيز.
الاستخدام الميداني والنتائج الأولية
بدأ الباحثون بالفعل في استخدام النموذج خلال الموسم الميداني الحالي، مع مؤشرات مبكرة تبشر بنتائج واعدة. إذ يقوم النموذج بتمييز الأنماط الصوتية المتكررة والتجمعات، وتحليل السياقات، مما يُسهم في كشف المعاني الخفية داخل تواصل الدلافين الطبيعي.
وقد فتح هذا الباب نحو إمكانيات تطوير وسيلة تواصل أكثر تعقيدًا من مجرد الرصد السلبي، ليصبح بإمكان العلماء في المستقبل إرسال إشارات صوتية موجهة لتحفيز سلوك معين لدى الدلافين.
نموذج صغير لكن فعّال: مثالي للهواتف الذكية
من أبرز النقاط التقنية المثيرة للإعجاب أن نموذج DolphinGemma مصمم ليكون خفيفًا بما يكفي ليعمل على هواتف Pixel الذكية التي يستخدمها الفريق ميدانيًا. النموذج يتكون من حوالي 400 مليون معلمة فقط، مما يجعله فعالًا وقابلًا للتشغيل على الأجهزة ذات الموارد المحدودة.
وهذا الأمر مهم للغاية، لأن تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي على الهواتف عادة ما يُشكّل تحديًا نظرًا لحجم البيانات المطلوبة وسرعة المعالجة.
الإصدار المفتوح المصدر في الطريق
في خطوة تهدف إلى دعم البحث العلمي، أعلنت غوغل أنها تخطط لإطلاق نموذج DolphinGemma كمصدر مفتوح خلال الصيف القادم، مما سيوفر أدوات قوية للباحثين في مختلف أنحاء العالم لتحليل البيانات الصوتية الخاصة بهم، وتسريع فهمهم لأنماط تواصل الحيوانات البحرية.
عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي بعلم الأحياء
تُظهر مبادرة غوغل في تطوير نموذج DolphinGemma كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في استكشاف أعماق التواصل غير البشري، وفتح آفاق جديدة لفهم الكائنات الحية بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.وبينما ينتظر العالم المزيد من نتائج هذا المشروع، فإن الخطوة الأولى نحو لغة مشتركة بين الإنسان والدلفين قد بدأت بالفعل… بصوت رقمي.
اترك تعليق