ابتكار ثوري: نظام ذكاء اصطناعي وواقع افتراضي يكتشف التوحد بدقة تتجاوز 85% لدى الأطفال

شهد مجال التشخيص الطبي تطورًا نوعيًا بفضل الابتكارات التقنية الحديثة، حيث تمكّن باحثون من تطوير نظام متكامل يعتمد على الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لاكتشاف الإصابة باضطراب طيف التوحد (ASD) لدى الأطفال الصغار بدقة تتجاوز 85%. هذه النسبة تمثل قفزة نوعية مقارنة بالأساليب التقليدية التي غالبًا ما تعتمد على تقييمات بشرية واختبارات تستغرق وقتًا طويلًا.

ويعتمد هذا النظام على مراقبة الأنماط الحركية والبصرية لدى الطفل في أثناء تفاعله مع بيئات افتراضية غامرة، ما يسمح بإجراء تقييم أكثر دقة وموضوعية، ويخلق بيئة مشابهة لتجارب الحياة اليومية مقارنة بالاختبارات المعملية التقليدية.

كيف يعمل النظام الجديد؟ استخدام الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لتقييم سلوك الطفل

يعتمد النظام على نموذج تعلّم عميق متطور يُسمى 3DCNN ResNet، قادر على تحليل الحركة واتجاه النظر لدى الطفل باستخدام كاميرات متاحة تجاريًا وشاشات عرض كبيرة أو بيئات جدارية افتراضية. وخلال التجربة، يتفاعل الطفل مع مهمات محددة داخل بيئة افتراضية تلتقط كل تفاصيل حركته وسلوكه البصري.

ثم تتم معالجة هذه البيانات عبر نموذج ذكاء اصطناعي، يُحلل المؤشرات السلوكية التي ترتبط غالبًا بالتوحد مثل:

  • قلة التفاعل البصري

  • التكرار الحركي

  • عدم التنسيق في الاستجابة للمثيرات

ويصدر النظام تشخيصًا دقيقًا يمكن الاعتماد عليه، مع إمكانية تطبيقه في مراكز متخصصة دون الحاجة لتكاليف باهظة أو معدات معقدة.

نظام 3DCNN ResNet: دقة عالية في تحليل المؤشرات الحركية

يُعد نظام 3DCNN ResNet تطويرًا متقدمًا يعتمد على نماذج الشبكات العصبية العميقة ثلاثية الأبعاد، وهو مصمم لتحليل الفيديو والتقاط الإشارات الحركية الدقيقة التي قد لا تُلاحظ بالعين المجردة أو من خلال التقييم اليدوي.

وقد أظهرت نتائج الاختبارات الميدانية للنظام، والتي نُشرت في مجلة Expert Systems with Applications، أن دقته تجاوزت 85% في الكشف عن الأطفال المصابين بالتوحد، مما يجعله يتفوق على التقنيات التقليدية، ويوفر تشخيصًا أسرع وأكثر كفاءة.

دمج التكنولوجيا مع الطب: تعاون بحثي استمر 8 سنوات

استغرق تطوير هذا النظام أكثر من ثماني سنوات من البحث المتواصل، بقيادة معهد Human-Tech في جامعة البوليتكنيك في فالنسيا (UPV)، وبالتعاون مع مركز Red Cenit المتخصص في تنمية القدرات الإدراكية للأطفال.

وبفضل هذا التعاون، تمكن الفريق من تحسين خوارزميات الكشف عن التوحد بشكل تدريجي، وتدريب النظام على تحليل الحركات المختلفة في سيناريوهات متعددة، مع الحفاظ على دقة التشخيص وسرعته.

ويؤكد مدير المعهد، Mariano Alcañiz، أن النظام يمثل مستقبل التشخيص السلوكي، ويقول:

“استخدام الواقع الافتراضي يمنحنا القدرة على خلق بيئات طبيعية تُحفّز استجابات حقيقية لدى الطفل، بدلًا من الاعتماد على اختبارات معملية قد تُنتج ردود فعل غير واقعية”.

نحو مستقبل أكثر شمولًا في تشخيص التوحد

ما يُميز هذا الابتكار ليس فقط دقته العالية، بل أيضًا إمكانية تطبيقه على نطاق واسع، نظرًا لاعتماده على أدوات متوفرة تجاريًا. كما يُمكن تطويره مستقبلًا ليشمل تقييم أنماط حركية أخرى مثل المشي أو التفاعل اللفظي.

ويقول الباحث Alberto Altozano، أحد مطوري النظام:

“نجحنا في بناء نموذج قادر على التكيّف مع عدد متنوع من المهام داخل البيئة الافتراضية، مما يزيد من فاعلية التشخيص ويُعمّق فهمنا للأنماط الحركية المرتبطة بطيف التوحد”.

التقنية في خدمة الطفولة

يمثل هذا النظام خطوة فارقة في مجال الطب السلوكي والذكاء الاصطناعي، حيث يُسهم في التشخيص المبكر للتوحد بطريقة أكثر دقة وفعالية. ومن المتوقع أن يسهم هذا التطوير في تحسين فرص التدخل المبكر وتقديم الدعم اللازم للأطفال المصابين في الوقت المناسب.إنه مثال حقيقي على كيف يمكن للتكنولوجيا أن تُغيّر حياة الإنسان نحو الأفضل، خاصة عندما تُوظف في خدمة الطفولة والمجتمع.