في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل موقع أوروبا في المشهد العالمي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أعلنت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء عن إطلاق ما أسمته “خطة عمل قارة الذكاء الاصطناعي”. تأتي هذه المبادرة في وقت حساس، إذ تواجه القارة العجوز ضغوطًا متزايدة من الشركات الناشئة ورواد التكنولوجيا الذين يعتبرون أن اللوائح الأوروبية تعيق التقدم والابتكار.
تسعى الخطة الجديدة إلى تحويل أوروبا إلى بيئة حاضنة للابتكار من خلال دمج الصناعات التقليدية مع أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوفير بنية تحتية تكنولوجية متطورة تدعم الشركات الناشئة والمطورين الأوروبيين.
بناء مصانع ومختبرات لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي
من أبرز ما تتضمنه خطة العمل هو إنشاء ما يُعرف بـ “مصانع الذكاء الاصطناعي”، وهي منشآت ضخمة مجهزة برقاقات متقدمة مخصصة لتدريب النماذج الضخمة من الذكاء الاصطناعي. تهدف هذه المصانع إلى تزويد الشركات الأوروبية بالأدوات والموارد التي كانت في السابق حكرًا على شركات التكنولوجيا الأميركية والصينية العملاقة.
وإلى جانب ذلك، سيتم تطوير مختبرات متخصصة توفر بيانات تدريب عالية الجودة، ما يعزز من قدرة الشركات الناشئة على المنافسة في سوق الذكاء الاصطناعي سريع النمو.
مركز خدمة قانون الذكاء الاصطناعي: نحو وضوح تنظيمي أكبر
للتغلب على تعقيدات قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، أعلنت المفوضية عن إنشاء مركز خدمة قانون الذكاء الاصطناعي، والذي سيكون بمثابة نقطة اتصال مركزية لمساعدة الشركات على فهم اللوائح والامتثال لها بفعالية.
تهدف هذه الخطوة إلى طمأنة المستثمرين ورواد الأعمال، وتعزيز ثقة المواطنين الأوروبيين بالتكنولوجيا، بما يتيح توسيع استخدام الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات دون الخوف من العواقب القانونية المبهمة.
انتقادات متصاعدة للوائح الاتحاد الأوروبي
رغم نوايا الاتحاد الأوروبي الطموحة، فإن الخطة الجديدة تأتي وسط موجة من الانتقادات المتزايدة من قادة التكنولوجيا العالميين، الذين يعتبرون أن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي يفرض قيودًا مفرطة تعيق الابتكار.
فالقانون، الذي ينظم استخدام الذكاء الاصطناعي بناءً على درجة المخاطر، شمل في تعديلاته الأخيرة الشركات التي تطور نماذج أساسية مثل OpenAI وMistral، مما أثار استياء واسع النطاق في الأوساط التقنية.
وفي قمة الذكاء الاصطناعي العالمية التي عقدت في باريس، عبّر كريس ليهان من OpenAI عن وجود توتر في أوروبا بين الرغبة في الابتكار والخوف من المخاطر، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي يبدو منقسمًا بين التقييد التنظيمي واحتضان التكنولوجيا.
الموقف الأميركي: تحذير من الإفراط في الحذر
الانتقادات لم تقتصر على الداخل الأوروبي، بل امتدت إلى الإدارة الأميركية التي عبّرت عن قلقها من أثر اللوائح الأوروبية على نمو شركات التكنولوجيا. فقد دعا نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس الأوروبيين إلى التفاؤل حيال الذكاء الاصطناعي بدلاً من الخوف، مشددًا على أهمية الانفتاح على الفرص التي توفرها هذه التكنولوجيا.
كما علّق جون بايرز، رئيس قسم الذكاء الاصطناعي في شركة Osborne Clarke، على أهمية إزالة الشكوك القانونية من لوائح الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن ذلك سيساهم في دعم مطوري الذكاء الاصطناعي في أوروبا وخارجها.
هل تنجح أوروبا في سباق الذكاء الاصطناعي؟
بينما تسير الولايات المتحدة والصين بسرعة في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوسيع نفوذ شركاتهما، تحاول أوروبا رسم طريق خاص بها، متوازن بين الحذر التنظيمي والطموح الابتكاري.
نجاح خطة “قارة الذكاء الاصطناعي” سيعتمد على قدرة الاتحاد الأوروبي في تنفيذ البنية التحتية المقترحة، وتبسيط قوانينه، والاستماع لمخاوف المستثمرين والمطورين. وحده هذا المزيج يمكن أن يضع أوروبا في موقع الريادة التكنولوجية دون أن تخسر ثقة مواطنيها أو قدرتها على حماية القيم الأخلاقية والمجتمعية.
اترك تعليق